إغتيال كوكب الأرض
بقلم: أوزجان يشار
في أواخر القرن الثامن عشر نشر العالم البريطاني "روبرت مالثوس" كتابه المشهور "مبدأ تكاثر السكان" الذي تكهن فيه بأن تزايد البشر سيفوق يوماً ما قدرة كوكب الارض على اطعامهم .. و ها نحن نرى و نعيش نبوءة هذا العالم بعد أن اصبحت النبوءة حقيقة واقعة لا مفر منها!
ففي عام 1800م كان عدد سكان الكرة الأرضية لا يتجاوز المليار (البليون) الواحد،وفي غضون مائة و ثلاثين سنة (أي عام (1930م) تضاعف العدد إلى المليارين .. ! ثم تضاعف الرقم مرة اخرى (إلى أربعة مليارات) في عام 1975 أي بعد 45 سنة فقط!
و اليوم يقترب تعداد سكان العالم إلى 6 مليارات من البشر هذا إذا لم يتخطاها ، و من المتوقع أن يتضاعف العدد خلال الأربعة عقود القادمة ليصل إلى 9 مليارات تقريبا بحلول عام 2050م..!
وما يزيد من حدة قلق الخبراء والمختصين ذلك أن هذا التزايد غير موزع بصورة متوازنة بين قارات الارض ،انما يتنامى بقوة وبتسارع في البقاع الاكثر حرماناً و الدول الأدنى دخلاَ ، حتى غدت أحوال المعيشة المتردية في بعض المدن المكتظة مثل مدن المكسيك و القاهرة و مانيلا مصدراً لتندر السواح و الزائرين.
إلاّ أن التزايد السكاني بهذه النمط المخيف ، وشح المصادر الطبيعية أمام هذه الاعداد الهائلة من البشر لا يحكيان القصة كاملة عما ينتظر كوكبنا من ويلات و ثبور.. فمع هذا التضخم السكاني إزدادت نسبة تلوث البيئة سواء في البر أو البحر أو الجو.!
في اوربا مثلا تطرح مناجم الفحم و المعادن فضلاتها على هيئة سائل كيماوي سام تحتار شركات النقل التجارية أين و كيف تتخلص منها، فيقع الاختيار على أراضي و مياة الفقراء بالتواطيء مع انظمتها المهترئة .!
و في الصين و هونغ كونغ ترمي معامل الأجهزة الإلكترونية حوالي ألف طن من النفايات البلاستيكية يومياً في البحر و هناك من يقول إن الأرقام تزيد عن ذلك بكثير ..!
بينما تنتج المفاعلات النووية في سيدة العالم "الولايات المتحدة" الأطنان من المواد المشعة الناشطة التي لم يعد جوف الأرض قادر على إستيعابها..!
أما في الجو ، فإن المعامل و المصانع و وسائل النقل ما فتئت تنفث الدخان و الغازات السامة التي تضر بصحة البشر و تسبب الكثير من آفات و أمراض الجهاز التنفسي الى حد زيادة الامراض التنفسية لدى الجيل الحالي في كل بقاع الأرض ..
وفي هذا السياق لابد من التنويه بأن الولايات المتحدة تنتج لوحدها ما يعادل 25% من الغازات المسببة للتلوث البيئي. وتساهم الدول الصناعية الغربية الأخرى فى انتاج أكثر من40% من تلك الغازات. بينما تتحمل بقية العالم مسؤولية إنتاج ما يقارب 35% من تلك الغازات.
ليت الامر يتوقف عند هذا الحد ..فإن غاز ثاني أكسيد الكربون " Carbon Monoxide " و الميثان"Methane " و الفريون"Freon" أو الكلوروفلور كاربون ( ك ف ك (CHLORD FLUORO CARBONS : CFC. باتت من العوامل التي تساهم في رفع حرارة الغلاف الجوي للأرض بمعدل مطرد بعد أن زادت انبعاثات الكربون زيادة رباعية خلال نصف القرن الماضي وحده. فقد قدر مجموعة من الباحثين حجم الاستهلاك السنوي في اميركا من فريون –11 بأنه 1,7 مليون كليوغرام ومن فريون –12ربانه 95 ، مليون كيوغرام ..!! هذا مع العلم بأن هذه الكمية تستخدم في صيانة المعدات القائمة ، والحديثة ( 12) . لو أمكن تعميم هذه النتائج على مستوى العالم كله فان النتائج سوف تكون مذهلة ومخيفة .
لا يزال هنالك خلاف بين العلماء والمتخصصين عن الابعاد الحقيقية والواقعية للمشكلة ، وذلك بسبب تغير مقدار الثقب حسب تباين أحجام الغازات المنبعثة في الجو بالرغم من أن بعض صور الأقمار الصناعية وبعض القياسات الارضية لعام 1987 تفيد بأن مستويات الأوزون عالميا قد قل بمقدار 4 الى 5 % خلال ست الى ثمان سنوات (13,14) .
تتفاوت التوقعات عن الإضمحلال العالمي لطبقة الأوزون مع حلول عام 2065م بأنه سوف يتفاوت من 2 الى 10 % ولكن حتى مع الافتراض بأن الرقم أقل من ذلك فان الزيادة المتوقعة في عدد المصابين بمرض سرطان الجلد سوف تتراوح من 55 الى 2,8 مليون حالة في الولايات المتحدة الامريكية فقط.
وعندما نعلم بان الاشعاع فوق البنفسجي يضعف تفاعلات الحساسية في الجلد والدفاع المناعي ضد أورام الجلد ، كما تتأثر مقاومة الجلد ضد بعض أنواع العدوى .وبالتالي نتيقن بأن لهذه الأشعة تأثيرا ضارا وفتاكا على الأسماك والطحالب والنباتات والأشجار والتنوع الحي والدليل الأمراض التي تصاب بها الفقمات (عجول البحر) في بحار الشمال و هلاكها على الشواطئ الكندية و موجات إنتحار الحيتان و الدلافين في شواطئ العالم.
كما يمتد هذا التأثير السلبي على إطارات السيارات والمواد البلاستيكية والملابس المصنعة من البتروكيماويات فيسبب تلفها.
ليس من السهل الحصول على معطيات دقيقة عن مقدار الدمار الحالي في طبقة الأوزون ، وذلك لأن مراقبة كمية الأوزون في طبقات الجو العليا على مستوى الكرة الأرضية بأجمعها وبشكل مستمر أمر مستحيل.. نظرا لتأثر الأوزون بأوقات السنة وبارتفاع وموقع مكان القياس عن سطح الأرض .
إن الدراسات والبحوث تشير الى أن تدمير طبقة الأوزون يزيد فوق القطبين المتجمدين الشمالي والجنوبي بسبب توفر ظروف مواتية من درجات الحرارة والرطوبة الى حد أنه يصبح واضحاً بدرجة كبيرة خلال شهر سبتمبر فوق القطب المتجمد الشمالي وخلال شهر مارس فوق القطب المتجمد الجنوبي .
بهذا السيناريو المرعب، تستطيع استوديوهات هوليود إستثمارقلقه وتوتره لإنتاج المزيد من أفلام الخيال لما يمكن أن يحدث من كوراث كونية لكوكب الارض.. و لكن هذا الخيال الهوليودي قد لا يبتعد كثيراً عن واقع وحقيقة المصير الذي نمضي نحوه بسرعة رهيبة..
ان التغيرات في درجة حرارة الارض لها من الآثارالسلبية وردود الفعل على النباتات و الحيوانات، بداية من ذوبان الجليد في القطبين الجنوبي و الشمالي و ارتفاع مستوى المحيطات و البحور ،مما قد يشكل اعاصير تفوق خطرا من أي تسونامي .لأن غرق المدن التي تقترب من سطح البحر سيكون حدثأً لا مفر منه و لن يحتاج إلى زلازل في المحيط لكي يحدث كما هو الحال بتسونامي.
فقد جاءت في العقدين الماضيين جميع السنوات الأربع عشرة الأشد حرارة منذ بدأت عمليات القياس المنهجية في الستينات من القرن التاسع عشر؛ وسجل صيف عام 1988 الرقم القياسي في شدة الحرارة، وقد ثبت أن شتاء 1999-2000 م هو أشد فصول الشتاء دفئاً. ومن المتوقع أن تواصل درجات الحرارة المتوسطة ارتفاعها بمقدار 1.2 إلى 3.5 درجة مئوية (درجتين إلى ست درجات فهرنهايت) عن المعتاد خلال القرن الحالي - مما يؤدي إلى ذوبان الجليد والغطاء الثلجي القطبي، وإلى ارتفاع مستويات سطح البحار ويشكل تهديدات لمئات الملايين من سكان السواحل بينما يغرق الجزر المنخفضة كلية.
من المؤسف قوله إن الأرض يتم اغتيالها وفق مخطط فوضوي بيد أبنائها. ويقول الله تعالى في القرآن الكريم : ( وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً وهم عن آياتها معرضون) و يقول أيضاً: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) صدق الله العظيم.
فأن مشكلة تزايد البشر التي ذكرها "روبرت مالثوس" تسير جنبا إلى جنب مع تسميم الطبيعة و قتل خيرات الأرض و البحر ..ففي البرازيل تقطع أشجار غابة الأمازون عبر مساحات شاسعة لتسمح للإنسان بتوسيع طرقه و منشآته ، و لتوفير الزهيد من الأموال لقاطعيها.. و في أندونيسيا يحرقون الغابات بغية إيجاد مساحات جديدة للمصانع و البناء بتكلفه اقل حيث و جدوا بأن حرق الغابات أسرع و أفضل و اقل تكلفة من القطع تاركين جيرانهم في ماليزيا و سنغافورا قابعين تحت سحابة سوداء من الدخان.. ومع هذا الكم من المجازر البشرية للغابات تقل الأمطار و يزداد الطقس حرارة و جفافاً و تتشكل الأمطار الحمضية، فيخسر العالم فصائل وانواع عديدة من النباتات لتنقرض بذلك حيوانات كانت الغابات ذات يوم مأواها الوحيد.هذه الغابات التي كانت توفر التوازن بين الملايين من مخلوقات الأرض الحية ، والتي كانت مصدراً غنياً للبحوث العلمية و مرتع لإنتاج العقاقير الطبية .
كل هذا يجعلنا نقف أمام المسؤولية الأخلاقية لدور الإنسان في حماية هذا الكوكب واهمية اتخاذ القرارات السياسة الحازمة امام المشروعات الاقتصادية ، وتنمية الثقافة البيئية لدى الأجيال الجديدة , وهي مسألة حيوية تقع فى صلب أمانة العمران التى حملها الله للإنسان واستخلفه النهوض بها وإنشاء العمران ونشر الخير والجمال فى ربوع الأرض ..وصدق الله العظيم إذا يقول فى كتابة الكريم (هو أنشأكم من الأرض وأستعمركم فيها).